ذكر الإمام الغزالي – رحمه الله تلك الوصية ضمن قصة لا بأس من ذكرها فقال : عن أحمد بن سعيد العابد عن أبيه قال :
كان عندنا بالكوفة شاب متعبد لازم المسجد الجامع لا يكاد يفارقه , وكان حسن الوجه حسن القامة حسن السمت , فنظرت إليه امرأة ذات جمال وعقل
فشغفت به وطال عليها ذلك , فلما كان ذات يوم وقفت له على الطريق وهو يريد المسجد فقالت له : يا فتى اسمع مني كلمات أكلمك بها ثم
اعمل ماشئت , فمضى ولم يكلمها , ثم وقفت له بعد ذلك على طريقه وهو يريد منزله فقالت له : يافتى اسمع مني كلمات أكلمك بها فأطرق
ملياً وقال لها : هذا موقف تهمة وأنا أكره أن أكون للتهمة موضعاً ,فقالت له والله ماوقفت موقفي هذا جهالة مني بأمرك ولكن معاذ الله أن
يتشوف العباد إلى مثل هذا مني , والذي حملني على ان لقيتك في مثل هذا الأمر بنفسي لمعرفتي أن القليل من هذا عند الناس كثير , وأنتم
معشر العباد على مثال القوارير أدنى شيء يعيبها , وجملة ما أقول لك إن جوارحي كلها مشغولة بك فالله الله في أمري وأمرك , قال :
فمضى الشاب إلى منزله واراد أن يصلي فلم يعقل كيف يصلي فأخذ قرطاساً وكتب كتاباً ثم خرج من منزله وإذا بالمرأة واقفة في موضعها
فألقى الكتاب إليها ورجع إلى منزله وكان فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم
أعلمي أيتها المرأة أن الله عز وجل إذا عصاه العبد حلم فإذا عاد إلى المعصية مرة أخرى ستره ,فإذا لبس لها ملابسها غضب الله تعالى
لنفسه غضبه تضيق منهما السماوات والأرض والجبال والشجر والدواب فمن ذا يطيق غضبه , فإن كان ما ذكرت باطلاً فإني أذكرك يوماً
تكون السماء فيه كالمهل وتصير الجبال كالعهن وتجثوا الأمم لصولة الجبار العظيم , وإني والله قد ضعفت عن إصلاح نفسي فكيف بإصلاح
غيري ؟ وإن كان ما ذكرت حقاً فإني أدلك على طبيـــــــب هدى يداوي الكلوم الممرضة والأوجاع المرمضة ذلك الله رب العامين فاقصديه
بصدق المسألة فإني مشغول عنك بقوله تعالى : [وأنذرهم يوم الأزفة إذ القلوب لدى الحناجر كظمين ماللظلمين من حميم ولا شفيع يطاع
(18) يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور (19)] سورة غافر.
فأين المهرب من هذه الآية ؟
ثم جاءت بعد ذلك بأيام فوقفت له على الطريق فلما رآها من بعيد أراد الرجوع إلى منزله كيلا يراها فقالت له : يافتى لا ترجع فلا كان
الملتقى بعد هذا اليوم أبداً إلا غداً بين يدي الله تعالى , ثم بكت بكاء شديداً وقالت أسأل الله الذي بيده مفاتيح قلبك أن يسهل ما قد عسر من أمرك
ثم إنها تبعته وقالت امنن علي بموعظة أحملها عنك وأوصني بوصية أعمل عليها : فقال لها : أوصيك بحفظ نفسك من نفسك وأذكرك قوله
تعالى : ( وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار) سورة الأنعام آية 60
.قال فأطرقت وبكت بكاء شديداً أشد من بكائها الأول , ثم إنها أفاقت ولزمت بيتها وأخذت في العبادة فلم تزل على ذلك حتى ماتت كمداً , فكان
الفتى يذكرها بعد موتها ثم يبكي , فيقال له : مم بكاؤك وأنت قد أيأستها من نفسك ؟ فيقول إني قد ذبحت طمعها في أول أمرها وجعلت
قطيعتها ذخيرة لي عند الله تعالى فانا أستحي أن أسترد ذخيرة ادخرتها عنده تعالى.
__________________
جزاكم الله خيرا الجزاء على مروركم وطبتم وطابت زيارتكم
كان عندنا بالكوفة شاب متعبد لازم المسجد الجامع لا يكاد يفارقه , وكان حسن الوجه حسن القامة حسن السمت , فنظرت إليه امرأة ذات جمال وعقل
فشغفت به وطال عليها ذلك , فلما كان ذات يوم وقفت له على الطريق وهو يريد المسجد فقالت له : يا فتى اسمع مني كلمات أكلمك بها ثم
اعمل ماشئت , فمضى ولم يكلمها , ثم وقفت له بعد ذلك على طريقه وهو يريد منزله فقالت له : يافتى اسمع مني كلمات أكلمك بها فأطرق
ملياً وقال لها : هذا موقف تهمة وأنا أكره أن أكون للتهمة موضعاً ,فقالت له والله ماوقفت موقفي هذا جهالة مني بأمرك ولكن معاذ الله أن
يتشوف العباد إلى مثل هذا مني , والذي حملني على ان لقيتك في مثل هذا الأمر بنفسي لمعرفتي أن القليل من هذا عند الناس كثير , وأنتم
معشر العباد على مثال القوارير أدنى شيء يعيبها , وجملة ما أقول لك إن جوارحي كلها مشغولة بك فالله الله في أمري وأمرك , قال :
فمضى الشاب إلى منزله واراد أن يصلي فلم يعقل كيف يصلي فأخذ قرطاساً وكتب كتاباً ثم خرج من منزله وإذا بالمرأة واقفة في موضعها
فألقى الكتاب إليها ورجع إلى منزله وكان فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم
أعلمي أيتها المرأة أن الله عز وجل إذا عصاه العبد حلم فإذا عاد إلى المعصية مرة أخرى ستره ,فإذا لبس لها ملابسها غضب الله تعالى
لنفسه غضبه تضيق منهما السماوات والأرض والجبال والشجر والدواب فمن ذا يطيق غضبه , فإن كان ما ذكرت باطلاً فإني أذكرك يوماً
تكون السماء فيه كالمهل وتصير الجبال كالعهن وتجثوا الأمم لصولة الجبار العظيم , وإني والله قد ضعفت عن إصلاح نفسي فكيف بإصلاح
غيري ؟ وإن كان ما ذكرت حقاً فإني أدلك على طبيـــــــب هدى يداوي الكلوم الممرضة والأوجاع المرمضة ذلك الله رب العامين فاقصديه
بصدق المسألة فإني مشغول عنك بقوله تعالى : [وأنذرهم يوم الأزفة إذ القلوب لدى الحناجر كظمين ماللظلمين من حميم ولا شفيع يطاع
(18) يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور (19)] سورة غافر.
فأين المهرب من هذه الآية ؟
ثم جاءت بعد ذلك بأيام فوقفت له على الطريق فلما رآها من بعيد أراد الرجوع إلى منزله كيلا يراها فقالت له : يافتى لا ترجع فلا كان
الملتقى بعد هذا اليوم أبداً إلا غداً بين يدي الله تعالى , ثم بكت بكاء شديداً وقالت أسأل الله الذي بيده مفاتيح قلبك أن يسهل ما قد عسر من أمرك
ثم إنها تبعته وقالت امنن علي بموعظة أحملها عنك وأوصني بوصية أعمل عليها : فقال لها : أوصيك بحفظ نفسك من نفسك وأذكرك قوله
تعالى : ( وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار) سورة الأنعام آية 60
.قال فأطرقت وبكت بكاء شديداً أشد من بكائها الأول , ثم إنها أفاقت ولزمت بيتها وأخذت في العبادة فلم تزل على ذلك حتى ماتت كمداً , فكان
الفتى يذكرها بعد موتها ثم يبكي , فيقال له : مم بكاؤك وأنت قد أيأستها من نفسك ؟ فيقول إني قد ذبحت طمعها في أول أمرها وجعلت
قطيعتها ذخيرة لي عند الله تعالى فانا أستحي أن أسترد ذخيرة ادخرتها عنده تعالى.
__________________
جزاكم الله خيرا الجزاء على مروركم وطبتم وطابت زيارتكم