وتعريف السنة لغة
المقدمة
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبفضله وكرمه ورحمته يقبل اليسير من العمل ويغفر الكثير من الزلات، والصلاة والسلام على من اكتملت برسالته الرسالات، وختمت بنبوته النبوات سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد...
فإنه مما لا شك فيه أن تاريخ العلوم يشابه إلى حد كبير تاريخ الإنسان، فكما أن لكل إنسان تاريخه الذي يبدأ من لحظة ميلاده ثم يمر بأطوار مختلفة من طفولة وغلامية وشباب ورجولة وهكذا.
كذلك العلوم، فإن لكل علم مراحله التي يمر بها: ميلادًا ونشأةً ونموًا وكمالاً.
والسنة النبوية وعلومها، ومنزلتها، وأهميتها، وشرفها، ومكانتها، تلي منزلة القرآن الكريم، وقد امتحن الله خلقه بالانقياد لها، والتسليم لأحكامها، حيث فرض الله في كتابه طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، والانتهاء لحكمه، فمن قبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فبفرض الله قبل.
كما جعل طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم طاعته تعالى، وحكمه حكمه، ومبايعته مبايعته، فمن قبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن الله قبل، لما افترض الله من طاعته، كما أنّ من قبل عن الله فرائضه في كتابه قبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سننه، بفرض الله طاعة رسوله على خلقه، وأن ينتهوا إلى حكمه.
لأنه تعالى وضعه من دينه وفرضه وكتابه، الموضع الذي أبان جل شأنه أنه جعله علمًا لدينه، بما افترض من طاعته، وحرم من معصيته، وأبان من فضيلته.
قال تعالى: ((مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ)) [النساء:80].
وقال تعالى: ((وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)) [الحشر:7].
وقال تعالى: ((فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)) [النساء:65].
وقال تعالى: ((وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا)) [الأحزاب:36].
لهذه الآيات وغيرها أدركت الأمة المسلمة- سلفًا وخلفًا- قيمة السنة النبوية، وضرورتها في معرفة أحكام دينها، لذلك أولوها جلّ اهتمامهم، حفظًا لها، وتطبيقًا لأحكامها، ووضع القواعد والضوابط التي تضمن سلامتها من الدس والتغيير، وصيانتها من التحريف والتبديل، وقد تنوعت هذه الجهود المباركة حتى أثمرت علومًا شتى، وقواعد متعددةً، منها ما يتعلق بالمتون، ومنها ما يتعلق بالأسانيد، ومنها ما يتعلق بهما معًا، حتى قال بعض المستشرقين: " ليهنئ المسلمون بعلم حديثهم".
وفي هذه الزاوية سنقف على الجهود الخلاقة المبدعة التي قدّمها علماؤنا – عبر القرون المتتابعة – من أجل أن تكون السنة نقيةً للمسلمين، كي ينهلوا من وردها العذب، ومعينها الصافي، وأن أبرز أن المسلمين لا يمكن أن يكون لهم غناء عن سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، فهي جزء من دينهم الذي أرسل الله سبحانه وتعالى به محمدًا صلى الله عليه وسلم إليهم، وهو صلى الله عليه وسلم بأقواله وأفعاله وسلوكه وأخلاقه، وكل ما صدر عنه أساس متين من أسس هذا الدين، وباب من أبواب الرحمة المتمثلة في شرع الله ودينه، وصدق الله عز وجل، إذ يقول: ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)) [الأنبياء:107].
نسأل الله أن يوفقنا لصدق القول وحسن العمل، وأن نكون من المتبعين غير المبتدعين، لنكون ممن قال الله فيهم: ((وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)) [الزمر:61].
المبحث الأول
تعريف السنة
جرت سنة العلماء والباحثين أن يصدروا مؤلفاتهم وبحوثهم بالتعريفات اللغوية والاصطلاحية لعلومهم، فإن التعريف يضع شمعةً أمام القارئ تظهر له ملامح هذا العلم، ويفتح نافذةً تطل على خصائصه ومضمونه وأهميته، وعلى هذا السنن أسير، فأقول وبالله تعالى التوفيق.
السنة لغةً:
السنة في اللغة مشتقة من الفعل " سنّ " بفتح السين المهملة وتشديد النون، ولهذا الفعل عدة معانٍ لغوية(1)، منها:
1. الصقل: يقال: سنّ فلان السكين إذا حدّها وصقلها.
2. الابتداء: يقال: سنّ فلان العمل بكذا، أي: ابتدأ به، وبهذا الإطلاق اللغوي جاءت في قول النبي صلى الله عليه وسلم: " ما من نفس تقتل ظلمًا إلا كان على ابن آدم كفل من دمها؛ ذلك أنه أول من سنّ القتل"(2).
وهكذا فإن العرب تطلق على كل من ابتدأ أمرًا عمل به قوم من بعده، بأنه هو الذي سنّه، ومن هذا المعنى قول نصيب:
كأني سننت الحب أول عاشق من الناس إذ أحببت من بينهم وحدي
3. العناية بالشيء ورعايته: يقال: سنّ الإبل إذا أحسن رعايتها والعناية بها، والفعل الذي داوم عليه النبي صلى الله عليه وسلم سمي سنة بمعنى: أنه صلى الله عليه وسلم أحسن رعايته وإدامته(3).
4. السيرة المستمرة والطريقة المتبعة سواء كانت حسنةً أو سيئةً: وأصلها اللغوي مأخوذ من قولك: سننت الماء إذا واليت صبه، فشبهت العرب الطريقة المتبعة والسيرة المستمرة بالشيء المصبوب لتوالي أجزائه على نهج واحد، ومن هذا المعنى قول خالد بن عتبة الهذلي:
فلا تجزعن من سيرة أنت سرتها فأول راض سنة من يسيرها
وبهذا الإطلاق اللغوي جاءت كلمة السنة في القرآن الكريم، قال تعالى: ((وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا)) [فاطر:43].
وقال تعالى: ((وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ)) [الكهف:55].كما جاءت في السنة النبوية بهذا المعنى، من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: " من سنّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سنّ في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء"(4).
وقوله صلى الله عليه وسلم: " لتتبعنّ سنن من كان قبلكم شبرًا بشبرٍ وذراعًا بذراعٍ..."(5)
وخصها بعض أهل اللغة بالطريقة المستقيمة الحسنة دون غيرها، ولذلك قيل: فلان من أهل السنة(6).
وسنة النبي صلى الله عليه وسلم تحمل هذه المعاني اللغوية لما فيها من جريان الأحكام واطرادها، وصقل الحياة الإنسانية بها، فيكون وجه المجتمع السائر على هديها ناضرًا بخيرها وبركتها، ويستفاد من المعاني اللغوية أن السنة فيها معنى التكرار والاعتياد، وفيها معنى التقويم، وإمرار الشيء على الشيء من أجل إحداده وصقله(7).
يقول الدكتور طه الدسوقي: (وجماع القول في معنى هذه الكلمة اللغوية: أنها تدل على الطريقة المسلوكة راجعة إلى أصلها، إذ هي من قولهم: سننت الشيء بالمسن، إذا واليت تكراره عليه، وإمراره به حتى صنع له سنًا أي طريقًا.
وقريب منه أن نقول: إن هذا اللفظ إنما يفيد الاستمرار والدوام والأمر بهما، وهو ظاهر في قولك: سننت الماء، أي واليت صبه بأسلوب منتظم ودائم.
وإذا ما جمعنا المعنيين معًا يتضح لنا: أن السنة إنما تفيد الأمر باتباع طريقة معينة والتزامها، والسير عليها حتى تكون هي الطريق والمسار الذي لا يجوز خلافه في مراد من أمر بالتزامه(.
الهوامش:
(1) ينظر: تاج العروس (9:243، 244)، لسان العرب (3:2121)، المعجم الوسيط (1:455، 456)، كلها مادة: سنن.
(2) أخرجه البخاري، كتاب الأنبياء، باب خلق آدم وذريته، رقم: (3335)، ومسلم، كتاب القسامة، باب بيان إثم من سنّ القتل، رقم: (1677).
(3) تفسير الرازي (3:54).
(4) الحديث أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة، رقم: (1017).
(5) الحديث أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاعتصام بالسنة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لتتبعن سنن من كان قبلكم" ، رقم: (7320)، ومسلم في صحيحه، كتاب العلم، باب إتباع سنن اليهود والنصارى، رقم: (2669).
منقوووول للامانه فقط
صلوا على رسول الله و لا تنسوني من صالح الدعاء بالنجاح و الفلاح في الدنيا و الآخرة
جمعني الله بكم في الفردوس الأعلى
جزيتم خيرااااا والجنه وكفى بها جائزه وسلمتم يارب
المقدمة
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبفضله وكرمه ورحمته يقبل اليسير من العمل ويغفر الكثير من الزلات، والصلاة والسلام على من اكتملت برسالته الرسالات، وختمت بنبوته النبوات سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد...
فإنه مما لا شك فيه أن تاريخ العلوم يشابه إلى حد كبير تاريخ الإنسان، فكما أن لكل إنسان تاريخه الذي يبدأ من لحظة ميلاده ثم يمر بأطوار مختلفة من طفولة وغلامية وشباب ورجولة وهكذا.
كذلك العلوم، فإن لكل علم مراحله التي يمر بها: ميلادًا ونشأةً ونموًا وكمالاً.
والسنة النبوية وعلومها، ومنزلتها، وأهميتها، وشرفها، ومكانتها، تلي منزلة القرآن الكريم، وقد امتحن الله خلقه بالانقياد لها، والتسليم لأحكامها، حيث فرض الله في كتابه طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، والانتهاء لحكمه، فمن قبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فبفرض الله قبل.
كما جعل طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم طاعته تعالى، وحكمه حكمه، ومبايعته مبايعته، فمن قبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن الله قبل، لما افترض الله من طاعته، كما أنّ من قبل عن الله فرائضه في كتابه قبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سننه، بفرض الله طاعة رسوله على خلقه، وأن ينتهوا إلى حكمه.
لأنه تعالى وضعه من دينه وفرضه وكتابه، الموضع الذي أبان جل شأنه أنه جعله علمًا لدينه، بما افترض من طاعته، وحرم من معصيته، وأبان من فضيلته.
قال تعالى: ((مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ)) [النساء:80].
وقال تعالى: ((وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)) [الحشر:7].
وقال تعالى: ((فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)) [النساء:65].
وقال تعالى: ((وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا)) [الأحزاب:36].
لهذه الآيات وغيرها أدركت الأمة المسلمة- سلفًا وخلفًا- قيمة السنة النبوية، وضرورتها في معرفة أحكام دينها، لذلك أولوها جلّ اهتمامهم، حفظًا لها، وتطبيقًا لأحكامها، ووضع القواعد والضوابط التي تضمن سلامتها من الدس والتغيير، وصيانتها من التحريف والتبديل، وقد تنوعت هذه الجهود المباركة حتى أثمرت علومًا شتى، وقواعد متعددةً، منها ما يتعلق بالمتون، ومنها ما يتعلق بالأسانيد، ومنها ما يتعلق بهما معًا، حتى قال بعض المستشرقين: " ليهنئ المسلمون بعلم حديثهم".
وفي هذه الزاوية سنقف على الجهود الخلاقة المبدعة التي قدّمها علماؤنا – عبر القرون المتتابعة – من أجل أن تكون السنة نقيةً للمسلمين، كي ينهلوا من وردها العذب، ومعينها الصافي، وأن أبرز أن المسلمين لا يمكن أن يكون لهم غناء عن سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، فهي جزء من دينهم الذي أرسل الله سبحانه وتعالى به محمدًا صلى الله عليه وسلم إليهم، وهو صلى الله عليه وسلم بأقواله وأفعاله وسلوكه وأخلاقه، وكل ما صدر عنه أساس متين من أسس هذا الدين، وباب من أبواب الرحمة المتمثلة في شرع الله ودينه، وصدق الله عز وجل، إذ يقول: ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)) [الأنبياء:107].
نسأل الله أن يوفقنا لصدق القول وحسن العمل، وأن نكون من المتبعين غير المبتدعين، لنكون ممن قال الله فيهم: ((وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)) [الزمر:61].
المبحث الأول
تعريف السنة
جرت سنة العلماء والباحثين أن يصدروا مؤلفاتهم وبحوثهم بالتعريفات اللغوية والاصطلاحية لعلومهم، فإن التعريف يضع شمعةً أمام القارئ تظهر له ملامح هذا العلم، ويفتح نافذةً تطل على خصائصه ومضمونه وأهميته، وعلى هذا السنن أسير، فأقول وبالله تعالى التوفيق.
السنة لغةً:
السنة في اللغة مشتقة من الفعل " سنّ " بفتح السين المهملة وتشديد النون، ولهذا الفعل عدة معانٍ لغوية(1)، منها:
1. الصقل: يقال: سنّ فلان السكين إذا حدّها وصقلها.
2. الابتداء: يقال: سنّ فلان العمل بكذا، أي: ابتدأ به، وبهذا الإطلاق اللغوي جاءت في قول النبي صلى الله عليه وسلم: " ما من نفس تقتل ظلمًا إلا كان على ابن آدم كفل من دمها؛ ذلك أنه أول من سنّ القتل"(2).
وهكذا فإن العرب تطلق على كل من ابتدأ أمرًا عمل به قوم من بعده، بأنه هو الذي سنّه، ومن هذا المعنى قول نصيب:
كأني سننت الحب أول عاشق من الناس إذ أحببت من بينهم وحدي
3. العناية بالشيء ورعايته: يقال: سنّ الإبل إذا أحسن رعايتها والعناية بها، والفعل الذي داوم عليه النبي صلى الله عليه وسلم سمي سنة بمعنى: أنه صلى الله عليه وسلم أحسن رعايته وإدامته(3).
4. السيرة المستمرة والطريقة المتبعة سواء كانت حسنةً أو سيئةً: وأصلها اللغوي مأخوذ من قولك: سننت الماء إذا واليت صبه، فشبهت العرب الطريقة المتبعة والسيرة المستمرة بالشيء المصبوب لتوالي أجزائه على نهج واحد، ومن هذا المعنى قول خالد بن عتبة الهذلي:
فلا تجزعن من سيرة أنت سرتها فأول راض سنة من يسيرها
وبهذا الإطلاق اللغوي جاءت كلمة السنة في القرآن الكريم، قال تعالى: ((وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا)) [فاطر:43].
وقال تعالى: ((وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ)) [الكهف:55].كما جاءت في السنة النبوية بهذا المعنى، من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: " من سنّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سنّ في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء"(4).
وقوله صلى الله عليه وسلم: " لتتبعنّ سنن من كان قبلكم شبرًا بشبرٍ وذراعًا بذراعٍ..."(5)
وخصها بعض أهل اللغة بالطريقة المستقيمة الحسنة دون غيرها، ولذلك قيل: فلان من أهل السنة(6).
وسنة النبي صلى الله عليه وسلم تحمل هذه المعاني اللغوية لما فيها من جريان الأحكام واطرادها، وصقل الحياة الإنسانية بها، فيكون وجه المجتمع السائر على هديها ناضرًا بخيرها وبركتها، ويستفاد من المعاني اللغوية أن السنة فيها معنى التكرار والاعتياد، وفيها معنى التقويم، وإمرار الشيء على الشيء من أجل إحداده وصقله(7).
يقول الدكتور طه الدسوقي: (وجماع القول في معنى هذه الكلمة اللغوية: أنها تدل على الطريقة المسلوكة راجعة إلى أصلها، إذ هي من قولهم: سننت الشيء بالمسن، إذا واليت تكراره عليه، وإمراره به حتى صنع له سنًا أي طريقًا.
وقريب منه أن نقول: إن هذا اللفظ إنما يفيد الاستمرار والدوام والأمر بهما، وهو ظاهر في قولك: سننت الماء، أي واليت صبه بأسلوب منتظم ودائم.
وإذا ما جمعنا المعنيين معًا يتضح لنا: أن السنة إنما تفيد الأمر باتباع طريقة معينة والتزامها، والسير عليها حتى تكون هي الطريق والمسار الذي لا يجوز خلافه في مراد من أمر بالتزامه(.
الهوامش:
(1) ينظر: تاج العروس (9:243، 244)، لسان العرب (3:2121)، المعجم الوسيط (1:455، 456)، كلها مادة: سنن.
(2) أخرجه البخاري، كتاب الأنبياء، باب خلق آدم وذريته، رقم: (3335)، ومسلم، كتاب القسامة، باب بيان إثم من سنّ القتل، رقم: (1677).
(3) تفسير الرازي (3:54).
(4) الحديث أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة، رقم: (1017).
(5) الحديث أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاعتصام بالسنة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لتتبعن سنن من كان قبلكم" ، رقم: (7320)، ومسلم في صحيحه، كتاب العلم، باب إتباع سنن اليهود والنصارى، رقم: (2669).
منقوووول للامانه فقط
صلوا على رسول الله و لا تنسوني من صالح الدعاء بالنجاح و الفلاح في الدنيا و الآخرة
جمعني الله بكم في الفردوس الأعلى
جزيتم خيرااااا والجنه وكفى بها جائزه وسلمتم يارب