المـــــــــوت
الحمد لله الذى أنهى بالموت آمال القياصرة ، فنقلهم بالموت من القصور إلى القبور ، ومن ضياء المهود إلى ظلمات اللحود ومن ملاعبة الجوارى والنساء والغلمان إلى مقاساة الهوام والديدان ، ومن التنعم فى ألوان الطعام والشراب إلى التمرغ فى ألوان الوحل والتراب !!
وأشهد أن لا إله إلا اللـه وحده لا شريك له ، ينادى يوم القيامة بعد فناء خلقه ويقول : أنا الملك ..!! أنا الجبار ..!! أنا المتكبر ..!!
ثم يقول : لمن الملك اليوم ..؟؟! فيجيب على ذاته سبحانه !! لله الواحد القهار .
وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله أدى الأمانة وبلغ الرسالة ، ونصح للأمة فكشف اللـه به الغمة ولبى نداء ربه حتى أجاب مناديه ،ومشى طوال أيامه ولياليه على شوك الأسى يخطو على جمر الكيد والعنت ، يلتمس الطريق لهداية الضالين وإرشاد الحائرين ، حتى عَلَّم الجاهل ، وَقوَّم المعوج ، وَأمَّن الخائف ، وطَمْأَن القلق ونشر أضواء الحق والخير والتوحيد والإيمان كما تنشر الشمس ضياءها فى سائر الأكوان .
في رحاب الدار الآخرة
وأكد الحبيب المصطفى هذه الحقيقة فى حديثه الصحيح الذى رواه الترمذى من حديث سهل بن سعد الساعدى رضى اللـه عنه قال صلى اللـه عليه وسلم لو كانت الدنيا تعدل عند اللـه جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء
فالدنيا حقيرة عند اللـه أعطاها للمؤمن والكافر على السواء ، فلو كانت تزن عند اللـه جناح بعوضة ما سقى منها كافراً قط شربة ماء واحدة ، لذا كان المصطفى r يوصى أحبابه بعدم الركون والطمأنينة إلى هذه الدار الفانية لا محالة ، كما أوصى بذلك عبد اللـه بن عمر رضى اللـه عنهما كما فى صحيح البخارى :
كن فى الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ، وكان ابن عمر يقول: " إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك "
فالدنيا مزرعة للآخرة فتدبر معى هذا الحديث الصحيح الذى رواه البخارى ومسلم من حديث أنس قال النبى r :
ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه إنسان أو طير أو بهيمة إلا كان له به صدقة
إن للموت لسكرات ... هل علمت إن هذه الكلمات قالها حبيب رب الأرض والسموات وهو يحتضر على فراش الموت ؟
روى البخارى عن عائشة رضى اللـه عنها قالت : مات رسول اللـه r بين حاقنتى وذاقنتى وكان بين يديه ركوة ( علبة ) بها ماء فكان يمد يده فى داخل الماء ويمسح وجهه بأبى هو وأمى ويقول :
لا إله إلا اللـه إن للموت لسكرات .
هكذا يقول حبيب رب الأرض والسموات إن للموت لسكرات !! حبيب الرحمن يذوق سكرة الموت ، فما بالنا نحن ؟!!
وما أدراك ما السكرات ..! وما أدراك ما الكربات ..! فى هذه اللحظات يزداد الهم والكرب ، فى
لحظات السكرات إذا نمت يا ابن آدم على فراش الموت ورأيت فى غرفتك التى أنت فيها دون أن يرى غيرك ، رأيت شيطاناً جلس عند رأسك يريد الشيطان أن يضلك عن كلمة الإخلاص" لا إله إلا اللـه "، يريد الشيطان أن يصدك عنها ، يقول لك : مُت يهودياً فإنه خير الأديان ، يقول لك : مُت نصرانياً فإنه خير الأديان .
فمن فتن الموت أن يأتيك الشيطان ليصدك عن لا إله إلا اللـه ، ليصدك عن كلمة التوحيد ، هذه من الكربات ، هذه من أشد السكرات على ابن آدم ولا حول ولا قوة إلا باللـه
فى حديث البراء بن عازب الصحيح أن النبى r أخبر : (( أنَّ المؤمن إذا نام على فراش الموت جاءته ملائكة بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس ، معهم كفنُُ من أكفان الجنة وحنوطٌ من حنوط الجنة فيجلسون من المؤمن مُدَّ البصر حتى يأتى ملك الموت فيجلس عند رأسه وينادى على روحه الطيبة وهو يقول : أيتها الروح الطيبة اخرجى حميدة وابشرى بروحٍِ وريحان وربٍ راضٍ عنك غير غضبان ، فتخرج روح المؤمن سهلة سلسة كما يسيل الماء من فِىِّ السقاء فلا تدعهـا الملائكــة فى يد ملك الموت طرفة عين ، ثم ترقى بها إلى اللـه جل وعلا .
قال تعالى(يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ )
وفى الصحيحين من حديث عائشة رضى اللـه عنهـا أن النبى r قال: (( من أحب لقاء اللـه
أحب اللـه لقاءه ، ومن كره لقاء اللـه كره اللـه لقاءه
قالت عائشة : يا رسـول اللـه أكراهية الموت ؟ كلنا يكره الموت .
قال : (( لا يا عائشة ، ولكن المؤمن إذا بشر برحمة اللـه ورضوانه وجنته أحب لقاء اللـه وأحب اللـه لقاءه ، وإن الكافر إذا بشر بسخط اللـه وعذابه كره لقاء اللـه وكره اللـه لقاءه .
أيها اللاهى .. أيها الساهى .. أيها الشاب .. أيها الكبير .. أيها الصغير .. أيها الأمير .. أيها الوزير .. أيها الحقير ..ذكر نفسك بالموت دائما
اسف للاطالة جزاكم الله خير